حقيقة الأهرامات وزيف حضارة اسمها الفراعنة
د.أحمد عباس
مقدمة:
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأنعم علينا بالقرآن العظيم، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) ص 29، الذي لا تنقضي عجائبه إلى قيام الساعة، وصلاةً وسلاماً على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله النبي الأُمّي الأمين، اللهم اجزه عنّا خيرَ ما جزيتَ نبياً عن أُمته.
هذا الموضوع ما هو إلا بحث متواضع الجهد، عظيم الفائدة بإذن الله، تمكنا فيه من حل أكبر لغز واجهته الحياة البشرية الحديثة، بمساعدة كلام خالق البشرية، فيما يتعلق بأسرار الحضارة المصرية القديمة.
أسأل الله أن يقبله، ويتجاوز عنّا الخطأ والنسيان، أنه ولي ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد، والله على ما أقول شهيد.
مقومات حضارة بناة الأهرام:
مباني الحضارة المصرية القديمة من أهرام ومعابد ضخمة ومسلات شامخة وأعمدة طويلة، يقف جميع مهندسو العالم أمامها في ذهول تام من حيث ما اشتملت عليه من معلومات هندسية وفلكية عالية التقدم، ودقة فائقة في التصميم، علاوة على كونها قوية البنيان، ضخمة الحجارة التي بنيت منها، قد تصل في أحيان إلى عشرات الأطنان، إضافة لبعد مواقع البناء عن أماكن المحاجر التي أخذت منها (في حالة الأهرام) وصعوبة شقها في الصخور المبنية منها مثل: معبد حتشبسوت.
كل هذا يقتضي أن يكون أصحاب هذه الحضارة يمتلكون سمات خاصة جداً، (ولا يعقل أن نربط هذا بالسحر والجن)، هذه السمات جعلتهم يتفردون عن باقي الأمم والحضارات، ولعل أبرز هذه السمات ما يلي:
1- قوة أفراد غير عادية تفوق قوى البشر المعهودة.
2- دراية وعلم كبير في الفلك والهندسة تفوق دراية باقي البشر.
3- وسائل نقل قوية وكثيرة غير وسائل النقل المعروفة في الزمن القديم.
4- تعداد بشري هائل لإنجاز هذه المهام.
5- أموال كثيرة ومصادر طبيعة للتمويل، ومدد بالمؤن والغذاء (حيث ليس للسخرة أو أي وازع حتى لو كان ديني يدفع العمال لصنع هذا الكم الهائل من الآثار والمباني العملاقة التي تفوق ثلث آثار العالم بأسره في الكم والنوع).
6- رغبة عارمة من أفراد هذه الحضارة في التكبر والتجبر والتميز.
7- وسائل رصد وقياس قوية، (ارتباط الأهرامات بالنجوم، ومعبد حتشبسوت الذي يمثل روعة في التناظر المعماري) لو اجتمعت هذه العوامل لأصبح من الإمكان صنع مثل هذه الحضارة.
صفات قوم عاد كما وردت في القرآن (المصدر الوحيد لذكر هذه الحضارة).
أولاً: أود الإشارة إلى الآتي:
نِعم الله على جميع خلقة عظيمة ولا تحصى، وقد خص الله أقوماً وأفراداً بنعم معينة، وعندما يُذَكر الله أحداً بنعمه، لابد وأن تكون عظيمة تميز فيها عن باقي الخلق (سبب التذكير هو التفرد)، فمثلاً قال - تعالى -: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل-78، فالله يذكر الناس بنعمة السمع والأبصار والأفئدة التي تفردوا بها عن الجماد، حتى الحيوان يملك هذه النعم ولكن ليست كهذه التي منَّ الله علينا بها.
وتذكير قريش بنعمة عظيمة وهي نعمة الأمن، قال - تعالى -: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) القصص، 57، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ذَكّره بنعمة عظيمة أيضا، قال - تعالى -: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح 1-4، وذَكَّر الله بني إسرائيل بنعمة النجاة من بطش عدو جبار، على لسان موسى، قال - تعالى -: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) إبراهيم 6، وتذكير المسلمين بنعمة النصر الذي منّه الله عليهم بعدما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) الأحزاب 9- 10.
الخلاصة هي:
أن عندما يذكر الله بنعمة، لابد وأن تكون نعمة عظيمة جدا تفوق غيرها من النعم، وهذا هو المنطق، عندما تذكَّر شخصا بفضل لك عليه، لابد وان يكون فضل عظيم، وإلا لما التذكير؟!
ثانيا: قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الشعراء 123-135
من خلال هذه الآيات، نستطيع أن نستنج صفات قوم عاد:
1- جبارين.
2- يمتلكون علم عظيم (لعظمة العلم استحق التذكير بها)، وتفردوا بتذكيرهم بهذا العلم، إذ لم يذكر الله هذا مع ثمود ولا فرعون ولا قوم لوط ولا غيرهم من الأمم، وقال عنهم عندما جاءهم العذاب قال - تعالى -: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) غافر 83،
3- لديهم أنعام ودواب كثيرة وعظيمة استحقت أن يُذَكرهم بها الله، إذ لم يذكر أحدا بالإمداد بالأنعام، غير قوم عاد؛ إذ ذكر الله الناس جميعاً بفائدة الأنعام فقط قال - تعالى -: (وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) الأنعام 142، قال - تعالى -: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) النحل 66، لكن لم يذكر أحد بالإمداد بالأنعام غير قوم عاد، إذن فهو إمداد عظيم، على غير ما نشهده.
4- شعب كثير (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) وخاصة الشباب بنين، ذكرهم الله بنعمة الإمداد بالبنين، وقال الله - تعالى -عليهم عندما أهلكم بالريح: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) القمر 20، توحي بالكثرة، مثلها تماماً قوله - تعالى -: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران 173، وقوله - تعالى -: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) النحل 72، تذكير بنعمة البنين ذاتها وليس كثرتها وقوله - تعالى -في إخباره بين عداء المسلمين مع اليهود، قال - تعالى -: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)الإسراء 6، تذكير بنعمة كثرة البنين، والأموال، لاحظ أن المسلمين اليوم قرابة ربع العالم، ويملكون ثلث ثروات العالم الطبيعة.
5- اجتمعت لهم الشدة في القوة والضخامة في البنيان.
أما عن شدة القوة فعندما قالوا من أشد منا قوة؟؟ رد الله عليهم وقال: أنه هو أشد منهم، وهذه الرد والتعقيب على ادعاء القوة، لم يكن إلا لعاد: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 15، غير أن باقي الأمم، أشار الله لشدتهم بأنه يوجد مثلهم من الخلق من هو أشد منهم قوة ولم يقل لهم أنا أشد منكم مثلما قال لعاد.
وعندما قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) القصص 78، قال الله له: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) القصص 78، وقال عن قريش: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ) محمد 13،
وأما عن طولهم فوصفهم الله عند هلاكهم بوصف النخل، وهذا الوصف بالنخل لم يكن لغير عاد، إذ قال - تعالى -: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) القمر 20، وقال أيضاً: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) الحاقة 7، وقال لهم نبيهم هود - عليه السلام -: (أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف، 69،
وتعبير أشد قوة اقترن ذكره فقط بذكر قوم عاد، حيث أنهم تفردوا به عن العالمين، وإن جاء هذا التعبير بدون ذكر قوم عاد، كان لا يزال سياق الكلام يحمل الإشارة إليهم قال - تعالى -: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ* فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) غافر 82-85، وهذه الآيات تشير إلى قوم عاد: أكثر عدداً، أشد قوةً، أكثر آثاراً في الأرض، عندهم من العلم، رفض الأيمان بالله وحده، سمات بيّن الله أنها لعاد، ولم يذكرها مجتمعه مع غيرهم، وكانوا قوماً يؤمنون بالله، ولكن يشركون في عبادته، حيث احتجوا على نبيهم هود، قال الله على لسانهم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الأعراف 70، فها هم يؤمنون بالله وحده عن عندما جاءهم الهلاك.
6- زيادة في نعم البصر والسمع والأفئدة.
قال - تعالى -: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأحقاف 26، وقوله: جعلنا لهم سمعاً وبصراً وأفئدةً، يعني أنهم تميزوا في هذا عن باقي الناس؛ لأن الله ذكرها لنا، وقال: لم تغن عنهم، وكانوا بها يجحدون، أما باقي الأمم فلم يذكر هذا معهم.
د.أحمد عباس
مقدمة:
الحمد لله الذي جعلنا مسلمين، وأنعم علينا بالقرآن العظيم، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) ص 29، الذي لا تنقضي عجائبه إلى قيام الساعة، وصلاةً وسلاماً على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله النبي الأُمّي الأمين، اللهم اجزه عنّا خيرَ ما جزيتَ نبياً عن أُمته.
هذا الموضوع ما هو إلا بحث متواضع الجهد، عظيم الفائدة بإذن الله، تمكنا فيه من حل أكبر لغز واجهته الحياة البشرية الحديثة، بمساعدة كلام خالق البشرية، فيما يتعلق بأسرار الحضارة المصرية القديمة.
أسأل الله أن يقبله، ويتجاوز عنّا الخطأ والنسيان، أنه ولي ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد، والله على ما أقول شهيد.
مقومات حضارة بناة الأهرام:
مباني الحضارة المصرية القديمة من أهرام ومعابد ضخمة ومسلات شامخة وأعمدة طويلة، يقف جميع مهندسو العالم أمامها في ذهول تام من حيث ما اشتملت عليه من معلومات هندسية وفلكية عالية التقدم، ودقة فائقة في التصميم، علاوة على كونها قوية البنيان، ضخمة الحجارة التي بنيت منها، قد تصل في أحيان إلى عشرات الأطنان، إضافة لبعد مواقع البناء عن أماكن المحاجر التي أخذت منها (في حالة الأهرام) وصعوبة شقها في الصخور المبنية منها مثل: معبد حتشبسوت.
كل هذا يقتضي أن يكون أصحاب هذه الحضارة يمتلكون سمات خاصة جداً، (ولا يعقل أن نربط هذا بالسحر والجن)، هذه السمات جعلتهم يتفردون عن باقي الأمم والحضارات، ولعل أبرز هذه السمات ما يلي:
1- قوة أفراد غير عادية تفوق قوى البشر المعهودة.
2- دراية وعلم كبير في الفلك والهندسة تفوق دراية باقي البشر.
3- وسائل نقل قوية وكثيرة غير وسائل النقل المعروفة في الزمن القديم.
4- تعداد بشري هائل لإنجاز هذه المهام.
5- أموال كثيرة ومصادر طبيعة للتمويل، ومدد بالمؤن والغذاء (حيث ليس للسخرة أو أي وازع حتى لو كان ديني يدفع العمال لصنع هذا الكم الهائل من الآثار والمباني العملاقة التي تفوق ثلث آثار العالم بأسره في الكم والنوع).
6- رغبة عارمة من أفراد هذه الحضارة في التكبر والتجبر والتميز.
7- وسائل رصد وقياس قوية، (ارتباط الأهرامات بالنجوم، ومعبد حتشبسوت الذي يمثل روعة في التناظر المعماري) لو اجتمعت هذه العوامل لأصبح من الإمكان صنع مثل هذه الحضارة.
صفات قوم عاد كما وردت في القرآن (المصدر الوحيد لذكر هذه الحضارة).
أولاً: أود الإشارة إلى الآتي:
نِعم الله على جميع خلقة عظيمة ولا تحصى، وقد خص الله أقوماً وأفراداً بنعم معينة، وعندما يُذَكر الله أحداً بنعمه، لابد وأن تكون عظيمة تميز فيها عن باقي الخلق (سبب التذكير هو التفرد)، فمثلاً قال - تعالى -: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل-78، فالله يذكر الناس بنعمة السمع والأبصار والأفئدة التي تفردوا بها عن الجماد، حتى الحيوان يملك هذه النعم ولكن ليست كهذه التي منَّ الله علينا بها.
وتذكير قريش بنعمة عظيمة وهي نعمة الأمن، قال - تعالى -: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) القصص، 57، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ذَكّره بنعمة عظيمة أيضا، قال - تعالى -: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) الشرح 1-4، وذَكَّر الله بني إسرائيل بنعمة النجاة من بطش عدو جبار، على لسان موسى، قال - تعالى -: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) إبراهيم 6، وتذكير المسلمين بنعمة النصر الذي منّه الله عليهم بعدما زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) الأحزاب 9- 10.
الخلاصة هي:
أن عندما يذكر الله بنعمة، لابد وأن تكون نعمة عظيمة جدا تفوق غيرها من النعم، وهذا هو المنطق، عندما تذكَّر شخصا بفضل لك عليه، لابد وان يكون فضل عظيم، وإلا لما التذكير؟!
ثانيا: قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) الشعراء 123-135
من خلال هذه الآيات، نستطيع أن نستنج صفات قوم عاد:
1- جبارين.
2- يمتلكون علم عظيم (لعظمة العلم استحق التذكير بها)، وتفردوا بتذكيرهم بهذا العلم، إذ لم يذكر الله هذا مع ثمود ولا فرعون ولا قوم لوط ولا غيرهم من الأمم، وقال عنهم عندما جاءهم العذاب قال - تعالى -: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) غافر 83،
3- لديهم أنعام ودواب كثيرة وعظيمة استحقت أن يُذَكرهم بها الله، إذ لم يذكر أحدا بالإمداد بالأنعام، غير قوم عاد؛ إذ ذكر الله الناس جميعاً بفائدة الأنعام فقط قال - تعالى -: (وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) الأنعام 142، قال - تعالى -: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) النحل 66، لكن لم يذكر أحد بالإمداد بالأنعام غير قوم عاد، إذن فهو إمداد عظيم، على غير ما نشهده.
4- شعب كثير (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) وخاصة الشباب بنين، ذكرهم الله بنعمة الإمداد بالبنين، وقال الله - تعالى -عليهم عندما أهلكم بالريح: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) القمر 20، توحي بالكثرة، مثلها تماماً قوله - تعالى -: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران 173، وقوله - تعالى -: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) النحل 72، تذكير بنعمة البنين ذاتها وليس كثرتها وقوله - تعالى -في إخباره بين عداء المسلمين مع اليهود، قال - تعالى -: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)الإسراء 6، تذكير بنعمة كثرة البنين، والأموال، لاحظ أن المسلمين اليوم قرابة ربع العالم، ويملكون ثلث ثروات العالم الطبيعة.
5- اجتمعت لهم الشدة في القوة والضخامة في البنيان.
أما عن شدة القوة فعندما قالوا من أشد منا قوة؟؟ رد الله عليهم وقال: أنه هو أشد منهم، وهذه الرد والتعقيب على ادعاء القوة، لم يكن إلا لعاد: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 15، غير أن باقي الأمم، أشار الله لشدتهم بأنه يوجد مثلهم من الخلق من هو أشد منهم قوة ولم يقل لهم أنا أشد منكم مثلما قال لعاد.
وعندما قال قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) القصص 78، قال الله له: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) القصص 78، وقال عن قريش: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ) محمد 13،
وأما عن طولهم فوصفهم الله عند هلاكهم بوصف النخل، وهذا الوصف بالنخل لم يكن لغير عاد، إذ قال - تعالى -: (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) القمر 20، وقال أيضاً: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) الحاقة 7، وقال لهم نبيهم هود - عليه السلام -: (أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف، 69،
وتعبير أشد قوة اقترن ذكره فقط بذكر قوم عاد، حيث أنهم تفردوا به عن العالمين، وإن جاء هذا التعبير بدون ذكر قوم عاد، كان لا يزال سياق الكلام يحمل الإشارة إليهم قال - تعالى -: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ* فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ* فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) غافر 82-85، وهذه الآيات تشير إلى قوم عاد: أكثر عدداً، أشد قوةً، أكثر آثاراً في الأرض، عندهم من العلم، رفض الأيمان بالله وحده، سمات بيّن الله أنها لعاد، ولم يذكرها مجتمعه مع غيرهم، وكانوا قوماً يؤمنون بالله، ولكن يشركون في عبادته، حيث احتجوا على نبيهم هود، قال الله على لسانهم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الأعراف 70، فها هم يؤمنون بالله وحده عن عندما جاءهم الهلاك.
6- زيادة في نعم البصر والسمع والأفئدة.
قال - تعالى -: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) الأحقاف 26، وقوله: جعلنا لهم سمعاً وبصراً وأفئدةً، يعني أنهم تميزوا في هذا عن باقي الناس؛ لأن الله ذكرها لنا، وقال: لم تغن عنهم، وكانوا بها يجحدون، أما باقي الأمم فلم يذكر هذا معهم.
فرعون ومن قبله:
من الأمم السابقة التي أهلكها الله بذنوبها القرون الأولى، على الترتيب الزمني (قوم نوح، عاد، ثمود، قوم لوط "المؤتفكات"، أصحاب الأيكة "قوم شعيب وبلدهم مَدْين"، قوم فرعون)، آخرهم تحديداً قوم فرعون، قال - تعالى -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) القصص 43، وفي القرآن، إشارة في أكثر من موضع لمن سبق فرعون، وهذا لم يكن إلا لفرعون، من حيث أن الله أشار لمن قبله.
قال - تعالى -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) آل عمران 11، قال - تعالى -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال 52، قال - تعالى -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) الأنفال 54، وهذه الإشارة قد تكون لأحد أمرين لا ثالث لهما:
الأول: من كان قبله في سابق الزمان، حيث أن قوم فرعون هم آخر الأقوام التي أهلكها الله بذنوبها، قال - تعالى -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) القصص 43.
الثاني: من كان قبله في المكان، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ* فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ* وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ* وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) الحاقة 4-9، حيث أن المؤتفكات (قوم لوط) كانوا قبله زماناً، وجاءت كلمة المؤتفكات بعد كلمتي (ومن قبله) فقد انتفى الاحتمال الأول (الزمان فقط) وأثبت الثاني (المكان)، أي أن المقصود بمن قبله للمكان وليس للزمان، ولعلنا نلحظ في هذه الآية أن من قبله في سياق الكلام، هم قوم عاد، وسوف نشرح فما يلي أن قوم عاد، ورد ذكرهم مرات كثيرة مباشرة قبل فرعون، رغم الفاصل الزمني بينهم، ووجود أمم كافرها بينهم، قد أهلكها الله بذنوبها، مثل، ثمود، قوم لوط، أصحاب الأيكة.
عاد وفرعون:
أولا: أود الإشارة إلى أن ذكر قوم عاد وذكر ثمود، وردا في القرآن الكريم متلازمين على هذا الترتيب، عاد ثم ثمود، سواءً إجمالاً، أو تفصيلاً في أكثر من موضع.
فإجمالاً: مثل قوله - تعالى -: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فصلت 13، وقوله - تعالى -: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) التوبة 70،
وتفصيلاً: مثل قوله - تعالى -: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ* فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) القمر 18- 24، وغيرها من المواضع الأخرى.
ولعل هذا لسببين، الأول: هو أن ثمود هي خليفة عاد المباشرة في التسلسل الزمني.
والثاني: هو أن ثمود سلكت نفس المسلك الحضاري لعاد، قال - تعالى -: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) الأعراف 73- 74،
ثانياً: جاء ذكر (عاد وفرعون) على ثلاثة أوجهة:
1- كلٌ على حده، جاء ذكر عاد في مواضع منفصلة، وجاء ذكر فرعون في مواضع منفصلة.
2- وفق الترتيب الزمني في تفصيل الأمم السابقة في سورتي القمر والأعراف والفجر، وفي سورة الشعراء ذُكَر تفصيل قصة موسى مع فرعون في مطلع السورة، ثم بعد ذلك ذُكَر تفصيل الأمم الأخرى بما فيها عاد في سياق أخر منفصل، وفي سورة الشعراء جاء ذكر عاد وثمود معا في طرف، وقارون وفرعون وهامان معا في طرف أخر(لتشابه كل طرف).
3- على نحو متلاصق، (قوم عاد ثم فرعون مباشرة)، مع ما يشير إلى القصد من إثبات هذا التلاصق، وهذا الوجهة من التلاصق في ذكرهما، جاء على أربعة أنحاء:
1. مطابقا للتسلسل الزمني، مع تقديم قوم فرعون على باقي الأمم لتكون بعد عاد مباشرة، قال - تعالى -: (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزَابُ) ص 11- 13، في حين أن ترتيب الأمم جاء متوافق تماما مع التسلسل الزمني دون تقديم أو تأخير، عندما تُرك ذكر فرعون، قال - تعالى -: (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) الحج 42 44،
2. غير مطابق لتسلسل الزمني، مع بقاء ذكر فرعون بعد عاد مباشرة، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ق 12 14،
3. ترك الترتيب المعهود بين عاد وثمود، وإثباته بين عاد وفرعون، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ* فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ* وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ* وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) الحاقة 4-9،
4. العكس في الترتيب الزمني مع إشارة إلى ذلك قال - تعالى -: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ* فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ* وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) الذاريات 38 42، والإشارة إلى عكس هذا الوضع، هي عكس الترتيب الزمني فيما تلا هذه الآيات قال - تعالى -: (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ* فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ* وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) الذاريات 43 46، كما عُكَس الوضع، عاد بعد فرعون، عكس الوضع مع نوح أصبح بعد ثمود.
وفي قوله - تعالى -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا* فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا* وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا* وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) الفرقان 35 38، لم يذكر فرعون في السياق، فجاء ذكر عاد على النحو المعهود قبل ثمود وبعد قوم نوح.
5. إثبات هذا الترتيب حتى مع ما يشير إلى صفات من قوم عاد، (مطلق الشدة في القوة، وكثرة الآثار) قال - تعالى -: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ* وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ* إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)غافر21- 24،
عاد الثانية: قال - تعالى -: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى* وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى* وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) النجم 50 53،
عَلمنا عن عاد الأولى كيف كانت، ولكن ماذا عن عاد الثانية؟ لم تحدد على وجه الدقة في كتب التفاسير، (كما أظن)، ولكن دعنا نبحث عن عادٍ الثانية من خلال وصف عادٍ الأولى، وحتى نتحرى الدقة لابد أن تكون صفات عاد الأولى والثانية غير مكررة في كل الأمم، أي نبحث عن صفات تشابهت بين عادٍ الأولى وعادٍ الثانية فقط، حتى تستحق عاد الثانية هذه التسمية والنسب إلى عاد الأولى.
بالبحث وجدنا، أن هناك صفات صريحة، تنطبق على عاد وفرعون، دون باقي الأمم، وكذلك صفات تُفَهم من السياق، وأيضا اختصت بها عاد وفرعون.
صفات صريحة:
1- الاستكبار في الأرض:
ورد تعبير"الاستكبار في الأرض" مع عاد، مرة واحدة، ومع فرعون مرتين، ولم يرد هذا التعبير(الاستكبار في الأرض) إلا مع عاد وفرعون.
فمع عاد، قال - تعالى -: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 15،
ومع فرعون قال - تعالى -: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ) القصص 39،
وقال - تعالى -: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ) العنكبوت 39،
2- الإتباع بلعنة في الدنيا ويوم القيامة:
لعنت عاد في الدنيا والآخرة، في موضع واحد، و فرعون في موضعين، ولم تذكر اللعنة في الدنيا والآخرة إلا مع عاد وفرعون.
فعن لعنة عاد، قال - تعالى -: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) هود 60،
أما لعنة فرعون، قال - تعالى -: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ* يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ* وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) هود 97 99
وقال - تعالى -: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ* وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) القصص 40 42،
لعل من الملاحظ ورود ذكر استكبار عاد مرة واحدة، واللعنة في الدنيا والآخرة مرة واحدة، بينما ورد ذكر استكبار فرعون مرتين واللعنة أيضا مرتين.
3- الجحود بآيات الله:
جاء تعبير الجحود بآيات الله في القرآن الكريم على وجهين أثنين:
عام: قال - تعالى -: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام 33، وقال - تعالى -: (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 28، وقال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ) العنكبوت 47، جاءت صفة الجحود بآيات الله عامة لم تضاف إلي قومٍ بعينهم صراحة.
خاص: أضيفت إلى عاد وفرعون صراحةً، دون الأمم الباقية،
أما جحود عاد، قال - تعالى -: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59،
وأما جحود فرعون، قال - تعالى -: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ* فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) النمل 12 14،
وهذا يعني أنهم زادوا عن غيرهم من الأمم في الجحود بآيات الله، حتى يخصهم الله بذكر الجحود.
صفات مفهومة من السياق:
ورد في ذكر عاد وفرعون صفات كثيرة، فهمت من السياق، تميزت بها عاد وفرعون دون باقي الأمم، التي أهلكها الله.
1- التجبر: الآيات التي ذكرت التجبر وردت في عاد وفرعون، غير أن باقي الأمم لم يفهم من الساق أنها كانت متجبرة.
مع عاد قال - تعالى -: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59، وعن بطشهم، قال - تعالى -: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء 128 130،
وتجبر فرعون، عندما كان الرجل المؤمن من آل فرعون ينصح قومه، قال - تعالى -على لسانه: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ* وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ) غافر 35 36،
وما أدل عن تجبر بطش فرعون، من الأوتاد التي كان يمزق بها جسد من يخالفه، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ) ص 8، قال - تعالى -: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) الفجر 10، وما صنعه مع السحرة الذين أمنوا مع موسى، قال - تعالى -: (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) طه 71.
2- الإنذار بالسنين قبل نزول الهلاك: هاتان الأُمتان (عاد وفرعون)، هما الأمتان اللتان أنذرهما الله قبل نزول العذاب، إنذار دام لسنوات، مع ثمود كان الإنذار لثلاثة أيام، قال - تعالى -: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) هود 65.
فأما عاد لما أشتد عليهم الجفاف، قال - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) الأحقاف 24، وعندما اشتد عليهم الجفاف، طلب منهم نبي الله هود أن يستغفروا الله ويعبدوه وحده، حتى يرسل الله السماء عليهم مدرار، قال - تعالى-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ* قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) هود 52 53،
وأما عن فرعون: قال - تعالى -: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْن َبِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف 130، ومن خلال آخر كلمة " يَذَّكَّرُونَ" سوف نطلق إلى نقطة جديدة مهمة.
من الأمم السابقة التي أهلكها الله بذنوبها القرون الأولى، على الترتيب الزمني (قوم نوح، عاد، ثمود، قوم لوط "المؤتفكات"، أصحاب الأيكة "قوم شعيب وبلدهم مَدْين"، قوم فرعون)، آخرهم تحديداً قوم فرعون، قال - تعالى -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) القصص 43، وفي القرآن، إشارة في أكثر من موضع لمن سبق فرعون، وهذا لم يكن إلا لفرعون، من حيث أن الله أشار لمن قبله.
قال - تعالى -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) آل عمران 11، قال - تعالى -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأنفال 52، قال - تعالى -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ) الأنفال 54، وهذه الإشارة قد تكون لأحد أمرين لا ثالث لهما:
الأول: من كان قبله في سابق الزمان، حيث أن قوم فرعون هم آخر الأقوام التي أهلكها الله بذنوبها، قال - تعالى -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) القصص 43.
الثاني: من كان قبله في المكان، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ* فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ* وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ* وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) الحاقة 4-9، حيث أن المؤتفكات (قوم لوط) كانوا قبله زماناً، وجاءت كلمة المؤتفكات بعد كلمتي (ومن قبله) فقد انتفى الاحتمال الأول (الزمان فقط) وأثبت الثاني (المكان)، أي أن المقصود بمن قبله للمكان وليس للزمان، ولعلنا نلحظ في هذه الآية أن من قبله في سياق الكلام، هم قوم عاد، وسوف نشرح فما يلي أن قوم عاد، ورد ذكرهم مرات كثيرة مباشرة قبل فرعون، رغم الفاصل الزمني بينهم، ووجود أمم كافرها بينهم، قد أهلكها الله بذنوبها، مثل، ثمود، قوم لوط، أصحاب الأيكة.
عاد وفرعون:
أولا: أود الإشارة إلى أن ذكر قوم عاد وذكر ثمود، وردا في القرآن الكريم متلازمين على هذا الترتيب، عاد ثم ثمود، سواءً إجمالاً، أو تفصيلاً في أكثر من موضع.
فإجمالاً: مثل قوله - تعالى -: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فصلت 13، وقوله - تعالى -: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) التوبة 70،
وتفصيلاً: مثل قوله - تعالى -: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ* إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ* تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ* فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ* وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ* كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ* فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) القمر 18- 24، وغيرها من المواضع الأخرى.
ولعل هذا لسببين، الأول: هو أن ثمود هي خليفة عاد المباشرة في التسلسل الزمني.
والثاني: هو أن ثمود سلكت نفس المسلك الحضاري لعاد، قال - تعالى -: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ* وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) الأعراف 73- 74،
ثانياً: جاء ذكر (عاد وفرعون) على ثلاثة أوجهة:
1- كلٌ على حده، جاء ذكر عاد في مواضع منفصلة، وجاء ذكر فرعون في مواضع منفصلة.
2- وفق الترتيب الزمني في تفصيل الأمم السابقة في سورتي القمر والأعراف والفجر، وفي سورة الشعراء ذُكَر تفصيل قصة موسى مع فرعون في مطلع السورة، ثم بعد ذلك ذُكَر تفصيل الأمم الأخرى بما فيها عاد في سياق أخر منفصل، وفي سورة الشعراء جاء ذكر عاد وثمود معا في طرف، وقارون وفرعون وهامان معا في طرف أخر(لتشابه كل طرف).
3- على نحو متلاصق، (قوم عاد ثم فرعون مباشرة)، مع ما يشير إلى القصد من إثبات هذا التلاصق، وهذا الوجهة من التلاصق في ذكرهما، جاء على أربعة أنحاء:
1. مطابقا للتسلسل الزمني، مع تقديم قوم فرعون على باقي الأمم لتكون بعد عاد مباشرة، قال - تعالى -: (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزَابُ) ص 11- 13، في حين أن ترتيب الأمم جاء متوافق تماما مع التسلسل الزمني دون تقديم أو تأخير، عندما تُرك ذكر فرعون، قال - تعالى -: (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) الحج 42 44،
2. غير مطابق لتسلسل الزمني، مع بقاء ذكر فرعون بعد عاد مباشرة، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ* وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) ق 12 14،
3. ترك الترتيب المعهود بين عاد وثمود، وإثباته بين عاد وفرعون، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ* فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ* وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ* وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ) الحاقة 4-9،
4. العكس في الترتيب الزمني مع إشارة إلى ذلك قال - تعالى -: (وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ* فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ* وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ* مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) الذاريات 38 42، والإشارة إلى عكس هذا الوضع، هي عكس الترتيب الزمني فيما تلا هذه الآيات قال - تعالى -: (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ* فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ* وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) الذاريات 43 46، كما عُكَس الوضع، عاد بعد فرعون، عكس الوضع مع نوح أصبح بعد ثمود.
وفي قوله - تعالى -: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا* فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا* وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا* وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا) الفرقان 35 38، لم يذكر فرعون في السياق، فجاء ذكر عاد على النحو المعهود قبل ثمود وبعد قوم نوح.
5. إثبات هذا الترتيب حتى مع ما يشير إلى صفات من قوم عاد، (مطلق الشدة في القوة، وكثرة الآثار) قال - تعالى -: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ* ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ* وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ* إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)غافر21- 24،
عاد الثانية: قال - تعالى -: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى* وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى* وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) النجم 50 53،
عَلمنا عن عاد الأولى كيف كانت، ولكن ماذا عن عاد الثانية؟ لم تحدد على وجه الدقة في كتب التفاسير، (كما أظن)، ولكن دعنا نبحث عن عادٍ الثانية من خلال وصف عادٍ الأولى، وحتى نتحرى الدقة لابد أن تكون صفات عاد الأولى والثانية غير مكررة في كل الأمم، أي نبحث عن صفات تشابهت بين عادٍ الأولى وعادٍ الثانية فقط، حتى تستحق عاد الثانية هذه التسمية والنسب إلى عاد الأولى.
بالبحث وجدنا، أن هناك صفات صريحة، تنطبق على عاد وفرعون، دون باقي الأمم، وكذلك صفات تُفَهم من السياق، وأيضا اختصت بها عاد وفرعون.
صفات صريحة:
1- الاستكبار في الأرض:
ورد تعبير"الاستكبار في الأرض" مع عاد، مرة واحدة، ومع فرعون مرتين، ولم يرد هذا التعبير(الاستكبار في الأرض) إلا مع عاد وفرعون.
فمع عاد، قال - تعالى -: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 15،
ومع فرعون قال - تعالى -: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ) القصص 39،
وقال - تعالى -: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ) العنكبوت 39،
2- الإتباع بلعنة في الدنيا ويوم القيامة:
لعنت عاد في الدنيا والآخرة، في موضع واحد، و فرعون في موضعين، ولم تذكر اللعنة في الدنيا والآخرة إلا مع عاد وفرعون.
فعن لعنة عاد، قال - تعالى -: (وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ) هود 60،
أما لعنة فرعون، قال - تعالى -: (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ* يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ* وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) هود 97 99
وقال - تعالى -: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ* وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) القصص 40 42،
لعل من الملاحظ ورود ذكر استكبار عاد مرة واحدة، واللعنة في الدنيا والآخرة مرة واحدة، بينما ورد ذكر استكبار فرعون مرتين واللعنة أيضا مرتين.
3- الجحود بآيات الله:
جاء تعبير الجحود بآيات الله في القرآن الكريم على وجهين أثنين:
عام: قال - تعالى -: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) الأنعام 33، وقال - تعالى -: (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 28، وقال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ) العنكبوت 47، جاءت صفة الجحود بآيات الله عامة لم تضاف إلي قومٍ بعينهم صراحة.
خاص: أضيفت إلى عاد وفرعون صراحةً، دون الأمم الباقية،
أما جحود عاد، قال - تعالى -: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59،
وأما جحود فرعون، قال - تعالى -: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ* فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) النمل 12 14،
وهذا يعني أنهم زادوا عن غيرهم من الأمم في الجحود بآيات الله، حتى يخصهم الله بذكر الجحود.
صفات مفهومة من السياق:
ورد في ذكر عاد وفرعون صفات كثيرة، فهمت من السياق، تميزت بها عاد وفرعون دون باقي الأمم، التي أهلكها الله.
1- التجبر: الآيات التي ذكرت التجبر وردت في عاد وفرعون، غير أن باقي الأمم لم يفهم من الساق أنها كانت متجبرة.
مع عاد قال - تعالى -: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59، وعن بطشهم، قال - تعالى -: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ* وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء 128 130،
وتجبر فرعون، عندما كان الرجل المؤمن من آل فرعون ينصح قومه، قال - تعالى -على لسانه: (الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ* وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ) غافر 35 36،
وما أدل عن تجبر بطش فرعون، من الأوتاد التي كان يمزق بها جسد من يخالفه، قال - تعالى -: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ) ص 8، قال - تعالى -: (وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ) الفجر 10، وما صنعه مع السحرة الذين أمنوا مع موسى، قال - تعالى -: (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى) طه 71.
2- الإنذار بالسنين قبل نزول الهلاك: هاتان الأُمتان (عاد وفرعون)، هما الأمتان اللتان أنذرهما الله قبل نزول العذاب، إنذار دام لسنوات، مع ثمود كان الإنذار لثلاثة أيام، قال - تعالى -: (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) هود 65.
فأما عاد لما أشتد عليهم الجفاف، قال - تعالى -: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) الأحقاف 24، وعندما اشتد عليهم الجفاف، طلب منهم نبي الله هود أن يستغفروا الله ويعبدوه وحده، حتى يرسل الله السماء عليهم مدرار، قال - تعالى-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ* قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) هود 52 53،
وأما عن فرعون: قال - تعالى -: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْن َبِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف 130، ومن خلال آخر كلمة " يَذَّكَّرُونَ" سوف نطلق إلى نقطة جديدة مهمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق