الثلاثاء، 29 مارس 2011

سياسة فرنسا بالجزائر للقضاء على الهوية الوطنية

لقد أدركت فرنسا الاستعمارية إدراكا عميقا بان اللغة العربية هي الرابطة بين ماضي الجزائر المجيد وحاضرها الأغر ومستقبلها السعيد، فاللغة العربية هي لغة الدين والقومية واللغة الوطنية المغروسة على حد تعبير الأمام عبد الحميد بن باديس، فلغة الآباء والأجداد مخزن لكل ما للشعب من ذخائر الفكر والتقاليد والتاريخ والفلسفة والدين فقلب الشعب ينبض في لغته، روحه تكمن في بقاء هذه اللغة.
فاللغة العربية اعتبرتها فرنسا الصخرة الصلبة التي تتحطم أمامها كل المشروعات الكولونيالية و مخططاتها الرامية إلى فرنسة الجزائر، ولهذا سعت بكل الوسائل إلى القضاء على مقومات شخصيته المميزة، وإنتمائه اللغوي والحضاري والثقافي للأمة العربية، وحتى ينسى الجزائري بمرور الزمن عروبته ودينه ويعوضهما باللغة والثقافة الفرنسية، فينقطع عن تاريخه ويذوب في بوتقة الاستعمار الغاشم.و عليه فما هي السياسة التي إتبعتها فرنسا للقضاء على المقومات الوطنية للجزائر؟.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف إتبعت فرنسا سياسة واضحة الأهداف، تتمثل في التجهيل والفرنسة، وقد كان الاستعمار يرى انه لا سبيل إلى فرنسة الجزائريين وتعليمهم أي شيء إلى أن ينسوا كل شيء ويرجعوا إلى أميتهم.

أ‌. سياسة التجهيل:
لقد إقتضت خطة التجهيل إغلاق المدارس الإسلامية حتى عمت الأمية الوطن الجزائري تقريبا وكان شعارهم: "أن العدو الجاهل يمكن السيطرة عليه وإستغلاله بطريقة أفضل من العدو المتعلم".[25]
فبدأت الروح الصليبية في رسم الخطوط الكفيلـة بتحقيق غرضها والتمكين للإستعمـار، وكان طبيعيا أن تتجه إلى المساجد التي تراها رمزا للإسلام، فبقاء اللغة العربية في الجزائر متوقف على بقاء الإسـلام فيها.[26]
ولهذا نجد أن فرنسا قد وضعت الإسلام واللغة العربية في كفة واحدة وصوب عينها، وحاربتهما منذ أن وطأت أقدامها أرض الجزائر، رامية عرض الحائط كل إلتزاماتها مع الجزائريين.[27]
فاستهدافها للأوقاف[28] بالبدايات الأولى كان أول خطوة في طريق تنفيذ مشروعها، خاصة وأن الأوقاف كانت تقف سدا منيعا في وجه الأمية بالجزائر، لذلك عمدت السلطات الفرنسية بعد توطيد أقدامها في الجزائر إلى القضاء على مؤسساتها التعليمية والدينية.
حيث أصدر الجنرال دي بورمون قرارا بتاريخ 08 سبتمبر 1830، والرامي إلى وضع الاستعمار يده على الأوقاف الإسلامية ثم صدر قرار مكمل للأول من طرف قادة الاحتلال في 07 ديسمبر 1830، وينص على حرية التصرف في الأملاك الدينية بالتأجير والكراء من طرف الفرنسيين. وقد رفض الجزائريون هذا القرار التعسفي لأنه حرم مؤسساتهم الدينية والتعليمية من السند المالي الوحيد المساهم في الحياة الثقافية.[29] وإعتبروه خرقا صارخا للمعاهدة المبرمة بين فرنسا والجزائر، والتي بمقتضاها أعلن استسلام الجبهة السياسية الجزائرية للاحتلال الفرنسي يوم 05 جويلية 1830. (انظر الملحق رقم 01).
وفي هذا الصدد كتب عثمان بن حمدان خوجة[30]، وثيقة تمثل عريضة أرسلها إلى الماريشال سولت دوق دودالماتي، تضمنت هذه الوثيقة شكاوى ضد أفعال فرنسا التي ارتكبتها في الجزائر والتي أخلت في مجملها بمعاهدة الاستسلام التي بقيت حبرا على ورق، ومما جاء فيها أن الدين المحمدي سيبقى معمولا به تماما كما كان سابقا...
"وأن دين هذا الشعب وممتلكاته وتجارته وصناعته ستبقى محترمة"، لكن الواقع كان غير ذلك تماما...".[31]
وفي سياق سياسة التجهيل التي إنتهجها الاستعمار وكتمهيد لفرنسة الجزائريين قامت باضطهاد المؤسسات الثقافية وتضييق الخناق عليها، فأغلقت الكثير من المدارس[32] والزوايا ونفت المدرسين والطلبة وأحرقت المكتبات والمخطوطات التي تمثل تراث الحضارة العربية الإسلامية،[33] وأيضا لان اللغة المكتوبة هي كالاسمنت الذي يضمن تماسك الوحدة الوطنية وهي العروة الوثقى التي صل بين الأحياء والأموات ويكتب بها سجل الأمم.[34]
ففرنسا الغاشمة قد عز عليها أن يكون لهذه الأمة مقدسات أو مقومات حياة، لأنها بيتت قتلها وإفناءها، ومسخ تاريخها لتظهر هي في صورة حاملة الحضارة لهذا الشعب البربري المتوحش.[35]
وما إعتراف أحد زبانية الاحتلال إلا دليل على وحشية المستعمر، فقد أقر الجنرال De Lamorcière في ما حل بالجزائر قائلا: "... حللنا بمدينة الجزائر فإتخذنا من المدارس مخازن وثكنات وإسطبلات وإستحوذنا على أملاك المساجد والمدارس، وكنا نضمن أننا سنعلم الشعب العربي مبادئ الثورة الفرنسية، ولكن مع الأسف فان المسلمين رأوا في ذلك ضربة للدين والعقيدة...".[36]
وقد قدم المؤرخ الفرنسي الكسي دوتكفيل شهادة صريحة غير مشرفة عن مدعي المدنية في تقرير كتبه عام 1847 قال فيه: "... لقد استحوذنا على جميع الموارد التي كانت مخصصة لسد حاجات المعوزين، والتعليم العمومي... لقد هدمنا المؤسسات الخيرية وتركنا المدارس تندثر... لقد انطفأت الأنوار من حولنا وتوقف إنتداب رجال الدين والقانون ومعنى ذلك أننا صيرنا المجتمع الجزائري أكثر بؤسا وجهلا، مما كان عليه من قبل".
وبالفعل أثمرت جهود المستدمر فتقلص عدد المتعلمين بالعربية وارتفعت نسبة الأمية بين الجزائريين إلى 95% بعد أن كادت تنعدم قبيل الاحتلال بشهادة العدو نفسه، وفي شهادة العدو قوة.
فلجأت اللغة العربية إلى الجبال وما يحيط بها من أماكن وعرة ونائية لتتخذ منها معاقل في المساجد والزوايا حفاظا على وجودها واستمرارها.[37]
وعن واقع التعليم في المساجد[38] والزوايا في فترة الاحتلال صرح احد المستشرقين الذين زاروا الجزائر عام 1908 قائلا: "... إن المساجد والزوايا مقتصرة على تعليم القران الذي يحفظه التلميذ عن ظهر قلب...".
بمعنى أن التعليم اقتصر على حفظ القران دون تعلم الكتابة وتفسير القران، لان تفسير آيات القران الكريم هي دعوة إلى جهاد الكفار وبالتالي هذا الأمر يشكل خطرا على فرنسا المعتدية، وهو أمر عرفت فرنسا كيف تتحاشاه.[39]



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق