الخميس، 31 مارس 2011

العمل النقابي

فهوم العمل النقابي:    تنبع فكرة التجمعات النقابية من طبيعة علاقات العمل , محكومة بمجموعة من المصالح لكل طرف , وممكن أن تتعرض هذه المصالح للتهديد أو الضرر من قبل الطرف الأخر , كذلك هناك مجموعة من التشريعات التي تسنها الدولة لتنظيم جوانب تلك العلاقة و التي يمكن أن تنتقص من مصالح أحد الطرفين , و يمكن أن تكون الدولة ذاتها صاحب العمل , كما أن الدولة هي الطرف الثاني في عقود الوظيفة العامة .
ومن هنا فأن العمال و الموظفين العاملين و أصحاب العمل يجدون أنفسهم بحاجة إلى تشكيل تجمعات منظمة للدفاع عن مصالحهم و حقوقهم أمام أصحاب العمل و الدولة .
تتنوع الحقوق و المصالح التي يستهدف العمل النقابي الدفاع عنها او تحقيقها :
- في مجال العلاقة مع أصحاب العمل    : يستهدف العمل النقابي حمل أصحاب العمل على التفاوض مع ممثلي العمال للوصول معهم الى اتفاقية جماعية تضمن أجورا مجزية و شروط عمل معقولة .
- في مجال العلاقة بالدولة : يستهدف الدفع باتجاه سن تشريعات تضمن حقوق و مصالح العمال و الموظفين العاملين و حرية العمل النقابي .
- في دور للعمل النقابي في مجال العلاقة بين العمال انسفهم حيث يستهدف ترسيخ الوعي و التضامن الدولي
 الحق في تشكيل النقابات
 الاعتراف بالحق : كفلت المواثيق الدولية الحق في تشكيل النقابات و الانضمام إليها لحماية مصلحهم و منها :
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 .
- اتفاقيات منظمة العمل الدولية ( اتفاقية رقم 78 لسنة 1948 )
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الصادر عام 1966 .
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الصادر عام 1966 .
ضمان الحق في تشكيل النقابات :
لم تكتف الاتفاقيات الدولية بالاعتراف بالحق في تشكيل النقابات, و إنما وضعت مجموعة من الضمانات التي تكفل لكل إنسان ممارسة هذا الحق ( مادة 8/2 من الاتفاقية 87 الخاصة بالحرية النقابية و حماية حق التنظيم النقابي لعام 1948)
إجراءات تشكيل لا تمس بالحق : 
- ينص العمل الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية على حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين , و يحظر على الدولة أن تقوم بفرض قيود على تشكيل النقابات غير القيود التي تنص عليها قواعد منظمة العمل الدولية .
- و بالنسبة لقواعد العمل الدولية هناك ضمانات في مجال تشكيل النقابات نصت عليها الاتفاقيات المتعلقة بالحرية النقابية هما عدم الحاجة إلى ترخيص و عدم جواز تقييد الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للنقابات .
(مادة 7 من الاتفاقية 78 لعام 1948)
 الحماية من الأعمال التحيزية :
توفر الدول الحماية للعمال و الموظفين العاملين من أية أعمال تمس حقهم في تشكيل انتخابات و التنظيم النقابي و المفاوضة الجماعية , كالفصل أو عدم الاستخدام , أو فرض عقوبات تأديبية
 الفئات التي يجوز تقييد حقها في تشكيل النقابات :
ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية على حق كل شخص في تكوين النقابات بالإشتراك مع آخرين. لكنه أجاز إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة وموظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية على ممارستهم لهذه الحقوق .
و اتفاقية 151 التي حددت فئتين من الموظفين العاملين يجوز للتشريعات الوطنية أن تضع قيودا علة حقهم في العمل النقابي عموما . 
 الحق في الانتساب للنقابات:
      تعطي الإتفاقيات الدولية الحق في الانتساب للنقابات بحرية تامة, ولا يجوز فرض قيود على هذا الحق سوى تلك المنصوص عليها في الإتفاقيات التي أعدتها منظمة العمل الدولية والمواثيق الدولية ذات العلاقة, فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 على أن لكل شخص الحق في أن ينشيء وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.
ولقد تضمنت إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 98 لعام 1949 بعض الضمانات لكفالة الحق في الانتساب للنقابات بحرية .
 التعددية النقابية:
      تعطي الإتفاقيات الدولية العمال وأصحاب العمل والمهنيين والموظفين العامين الحق في أن يشكلوا أكثر من نقابة واحدة, حتى لو تعلق الأمر بأشخاص من نفس المهنة أو الإقليم أو محل العمل, كما أن لهم الحق في أن يشكلوا إتحادا أو أكثر يضم أكثر من نقابة. فإتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 تنص على أن للعمال وأصحاب العمل الحق في إنشاء ما يختارونه هم أنفسهم من منظمات
حرية التنظيم النقابي:
      لقد كفلت الاتفاقيات الدولية للعمال وأصحاب العمل والمهنيين والموظفين العامين حرية التنظيم النقابي وأوجبت على الدول اتخاذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لضمان تمكين العمال وأصحاب العمل من ممارسة حق التنظيم النقابي بحرية, ولكن يتعين على العمال وأصحاب العمل ومنظماتهم عند ممارسة هذا الحق ومختلف الحقوق الأخرى المتعلقة بالعمل النقابي أن يحترموا القانون المحلي شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الأشخاص والجماعات المنظمة.
  ضمان استقلالية العمل النقابي:
   أ-  تكفل الاتفاقيات الدولية للنقابات والاتحادات الحق في وضع دساتيرها وأنظمتها وانتخاب ممثليها في حرية تامة, وكذلك تنظيم إدارتها ووجوه نشاطها وصياغة برامجها ويحظر على السلطات العامة أي تدخل من شأنه أن يحد من هذه الحقوق أو يحول دون ممارستها المشروعة
ب- توفر الاتفاقيات الدولية لمنظمات الموظفين العموميين الاستقلال الكلي عن السلطات العامة, كما توفر لها حماية كافية من أي  تدخل من أي سلطة عامة
ت- توفر الاتفاقيات الدولية لمنظمات العمال وأصحاب العمل حماية كافية من أية تصرفات تمثل تدخلا من بعضها في شؤون بعضها الآخر, سواء بصورة مباشرة أو من خلال وكلائها أو أعضائها,
ث- لا تخضع منظمات العمال وأصحاب العمل لقرارات الحل أو وقف العمل التي تتخذها سلطة إدارية
 ضمانات الحماية والتسهيلات اللازمة لممارسة الأنشطة النقابية:
أ- توفر الاتفاقيات الدولية للعمال حماية كافية من أية أعمال تمييزية على صعيد إستخدامهم تستهدف المساس بحريتهم النقابية , وقد نصت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 على أن يتم إنشاء أجهزة, إذا دعت الضرورة, تكفل احترام حق التنظيم النقابي من الأعمال القائمة على أي شكل من أشكال التمييز ومن التصرفات التي تمثل تدخلا من بعض النقابات في شؤون الآخر.
ب- توفر لممثلي العمال في المؤسسة أو المنشأة حماية فعالة من أية تدابير يمكن أن تلحق بهم الضرر, بما في ذلك الفصل ويكون سببها صفتهم أو أنشطتهم كممثلين للعمال أو عضويتهم النقابية أو مشاركتهم في أنشطة نقابية طالما ظلوا في تصرفاتهم يلتزمون بالقوانين أو الاتفاقات الجماعية القائمة
ت- يمنح ممثلو العمال في المؤسسة من التسهيلات ما يسمح لهم بأداء مهامهم بصورة سريعة وفعالة وتؤخذ  في الاعتبار في هذا الخصوص خصائص نظام العلاقات الصناعية في البلد واحتياجات المؤسسة المعنية وحجمها وقدراتها .
ث- يمنح ممثلو منظمات الموظفين العموميين المعترف بها من التسهيلات ما يكون منسبا لتمكينهم من أداء مهامهم بصورة سريعة وفعالة, خلال ساعات العمل وخارجها على السواء .
ج- توفر للعمال والموظفين العموميين الحقوق المدنية والسياسية التي لا غنى عنها لممارستهم الحرية النقابية ممارسة اعتيادية دون جعل ذلك مرهونا إلا بالالتزامات الناشئة عن مركزهم وطبيعة وظائفهم .
 وسائل العمل النقابي:
      تلجأ النقابات لوسائل عديدة في سبيل تحقيق أهدافها مثل التفاوض الجماعي والإضراب ويعتبر التفاوض الجماعي والإضراب الوسيلتين البارزتين والهامتين.
  الحق في التفاوض الجماعي
  أ- مفهوم التفاوض الجماعي
يعني التفاوض الجماعي في العمل النقابي أن يقوم ممثلو العمال أو النقابة أو الاتحاد بتمثيل العمال أو المهنيين أو الموظفين العامين في التفاوض مع صاحب أو أصحاب العمل أو الحكومة بحيث أن أي اتفاق يتم التوصل إليه يكون ملزما لهم ينطبق الشيء نفسه على النقابة أو الاتحاد الذي يمثل أصحاب العمل 
ب-   ضمانات الحق في التفاوض الجماعي
 .1. حظرت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 على السلطات العامة أي تدخل من شأنه أن يحد من الحق في التنظيم النقابي- بما في ذلك الحق في التفاوض الجماعي- أو يحول دون الممارسة المشروعة لهذا الحق.
 .2.  يتوجب على الدولة حيثما دعت الضرورة إلى ذلك, اتخاذ تدابير بهدف تشجيع وتيسير التفاوض الطوعي بين أصحاب العمل أو منظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال, بقصد تنظيم أحكام وشروط الاستخدام من خلال إتفاقات جماعية .
.3.  يتعين تسوية المنازعات بين الموظفين العامين والإدارة العامة بخصوص أحكام وشروط الاستخدام وفقا لما يناسب الظروف المحلية, من خلال التفاوض بين الأطراف أو من خلال آلية مستقلة ومحايدة, مثل الوساطة والتوفيق والتحكيم, يتم إنشاؤها على نحو يكفل ثقة الطرفين المعنيين.
    الحق في الإضراب:
أ‌)  مفهوم الإضراب:
يعني الإضراب قيام العمال أو الموظفين العامين أو أصحاب المهن بالتوقف المؤقت عن العمل بشكل جماعي كوسيلة ضغط تهدف إلى تحقيق أهدافهم
وتختلف الأسباب والظروف التي تؤدي للجوء إلى الإضراب, لكن الإضرابات عادة ما يتم اللجوء لها إثر فشل أو تعثر التفاوض الجماعي كوسيلة ضغط على أصحاب العمل أو الدولة.
 ب) القيود على الحق في الإضراب: 
    الحق في الإضراب ليس مطلقا, لذا يشترط العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ممارسة الإضراب وفقا للقوانين المحلية في الدولة
      في الواقع إن صيغة النصوص الواردة في العهد المذكور صيغة عامة, ولا يسعف في تحديد الحالات التي يجوز فيها تقييد الحق في الإضراب, وقد عملت لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل الدولية على بناء مجموعة من السوابق حول مسائل مهمة في مجال الحقوق النقابية, من بينها الحالات التي يجوز فيها حظر الإضرابات, وقد أقرت اللجنة بإمكانية تقييد أو حظر الحق في الإضراب في حالتين هما:
الحالة الاولى: إضراب الموظفين الحكوميين الذين يمارسون السلطة بإسم الدولة( رجال القوات المسلحة والشرطة  , إذ أن ممارسة الاضراب من قبل هذه الفئات يؤدي الى إلحاق ضرر بالأمن العام للمجتمع.
الحالة الثانية: الإضراب في مجال الخدمات العامة الأساسية فقط
المصدر  :  وائل نظيف  - الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين -

رغم القناعة  التامة أن الشخصية النقابية لا يميزها شيء عن الشخصية السياسية أو عن الشخصية الإجتماعية لكن أن أتحدث عن شخصية نقابية "حصراً " فذلك لديناميات العمل المختص وتقنياته ، ومساهمة في تركيز إختصاص يبلور شخصية تبرز نفسها في المجتمع ، وتتقدم إليه بلباس حقوقي ومطلبي ، وتطلب التمايز إبرازاً للدور،  وليس استنتاجاً أو نتاجاً لخصائص مميزة .
          سأحاول أن أوضح ذلك من خلال تعريفات متداولة للمصطلحين اللذين يتكون منهما العنوان " الشخصية النقابية" .

في تعريف الشخصية :
- الشخصية : هي التنظيم المتكامل أو التركيب الموحد للخصائص النفسية التي تتصف بالثبات وبدرجة عالية من الإستقرار متضمنة المظهر العقلي وبالتالي العملي الخاصان بالإنسان ( قل كل يعمل على شاكلته) "الاسراء 84" 
ومن دون الغوص بالخصائص والصفات والمراتب والمظاهر والتجليات التي قد يكون من المطلوب الوقوف عندها وإدراكها لعالم النفس والثبات والإستقرار والعقل . إلا انها بالمجمل تنتج إنساناً إجتماعياً أو مجتمعياً بكل ما يتطلبه من تفاعل في جانب منه يطاول القضايا الحقوقية والمطلبية كحركة تبادلية لا يمكن سحبها من التداول في عقول وأفكار وعواطف وإنفعالات وإقدامات وإحجامات الإنسان مهام كانت إهتماماته وإنفراداته وتمايزاته . وربما تتضح الصورة أكثر لدى إلقائنا الضوء على النقيب وهو صفة مشبهة"والنقابة إسم لمصدره ".
- ثانياً : في تعريف النقيب :
                                       النقيب لغةً عريف القوم وجمعه نقباء
                                      والنقيب العريف هو شاهد القوم وضمينهم .

قال أبو اسحاق : النقيب في اللغة كالأمين والكفيل .
النقيب لغة من نقب ، والنقب في الحائط والجلد كالثقب في الخشب .أي إحداث ثغرة في نظام قائمٍ ، والنِقابة بالكسر إسم لمصدر للدلالة على النتاج الواحد للفعل كـ ساسَ سوساً السياسة ) يلتقي حوله جمع ما .والنَقابة بالفتح مصدر مثل الوِلاية والوَلاية ( وتبقى اشتقاقات الفعل الثلاثي سماعية غير قياسية).
وإنما قيل للنقيب نقيباً لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ويعرف مناقبهم وهو الطريق إلى معرفة أمورهم

والنقيب إصطلاحاً هو : الباحث عن القوم وعن أحوالهم وجمعه نقباءُ . وبيّنٌ لك وواضح أن البحث "عن القوم " ، ويتبعه " عن أحوالهم " إنما لتوزيع دور الفاعل ومهامه بين متفحص لكيانهم ووجودهم المادي وبين سابر لأحوالهم وحاجاتهم ومتطلباتهم المعنوية . والبحث لا يأتي إلا عن ضرورة . فمقتضى الحال أن تكون حقوق الكيان والوجود والحاجات والمتطلبات أو المطالب "ضرورات " كما يقرها الإسلام وليست حقوقاً أو واجبات ذاتية أو تبادلية كما تتعامل معها القوانين .
ولا بأس أن نستقطع السياق "على أن نعود إليه في استنتاج " لندخل في الجانب الحقوقي للإنسان .
إن ذروة ما بلغته الحضارات الأخرى في الإحتفالات بحقوق الإنسان الحياتية السياسية والإجتماعية في عصرنا الحديث قد تمثلت في تأثيم وتجريم حرمان المواطن من حقه وحق الإهتمام بشؤون مجتمعه . على حين أننا نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان وفي تقديس "حقوقه " الى الحد الذي تجاوز فيه مرتبة " الحقوق " عندما اعتبرها "ضرورات" ومن ثم أدخلها في إطار "الواجبات " . فالمأكل والملبس والمسكن والأمن والحرية في الفكر والإعتقاد والتعبير والعلم والتعليم والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع والمراقبة والثورة لتغيير نظم الضعف أو الجور والفسق والفساد كل هذه الأمور ليست فقط حقوقاً للإنسان من حقه أن يطلبها ويسعى في سبيلها ويتمسك بالحصول عليها ويحرم صده عن طلبها وإنما هي ضرورات واجبة لهذا الإنسان بل إنها "واجبات " عليه أيضاً .
إنها ليست مجرد حقوق وإنما هي " ضرورات " ولا سبيل الى "حياة" الإنسان بدونها "حياة"  تستحق معنى الحياة ... ومن ثم فإن الحفاظ عليها ليس مجرد "حق " للإنسان بل هو واجب عليه أيضاً.
لقد صاغ الإسلام هذا الواجب فريضة إجتماعية تحت عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وتحدث القرآن عنها "كواجب كفائي " على الأمة وليس كمجرد حق لصاحبه أن يتنازل عنه أو عن ممارسته فقال مخاطباً الأمة بصيغة أمر الوجوب : { ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} .  .

وحدثنا القرآن الكريم أن النهوض بهذه "الفريضة الإجتماعية " هو المعيار الذي تكون به الأمة خيّرة ومتخيّرة عند الله عز وجل { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } .
          كذلك كان التفريط في هذه الفريضة الإجتماعية معيار الضلال المستوجب لغضب الله والمفضي الى الشقاء في الدنيا والآخرة إنه نهج المنافقين الفسقة وديدنهم  : { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون } .  
لقد علّمنا الرسول الأكرم "ص" أن التفريط في هذه الفريضة الإجتماعية لا يفسد دنيانا فحسب بل أنه يحبط أعمالنا ويحجب الإنسان عن ربه فلا تستجاب دعواته رغم أن الله أقرب إليه من حبل الوريد فقال " لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطُرُنَّه على الحق أطراً أو ليضربن الله بعضكم ببعض ثم تدعون فلا يستجاب لكم ..." . وقال " إذا رأيتم الظالم فلا تأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمكم بعذاب من عنده  .
          من هنا لك أن تقدر المدى الذي يمكن أن ينطبع عليه العمل النقابي في مجتمعنا والخطورة غير المنظورة ربما في التفريط به .

نستطيع الآن أن نعود الى الإستنتاج لنطرح السؤال التالي :  
مع ما تم تبيُّنه في العمل الحقوقي والمطلبي هل نستطيع أن نعتبر العمل النقابي عملاً جديداً جاء ليهتم بقضايا الإنسان ؟ .
أبداً ، بل إن العمل النقابي المعاصر بلحاظ ما أسلفنا ما زال قاصراً عن اللحاق أو حتى استدراك المفهوم الإسلامي لمهام النقابي وواجباته فهو أبداً لم يرتق بمهامه لصناعة الإنسان وصناعة "حياة" للإنسان بقدر ما هو تفاعل مع مجريات لم يستطع معها أن يقود الى الكليات فهو ما زال قاصراً حتى عن معالجة الجزئيات وهو في ميادينه لم يسع الى تنمية غير محدودة فما زال يأخذ بفكرة التنمية الإنتقائية ويلملم اوضاعاً وظروفاً يعمل على تصحيحها في احسن الأحوال .
  القرآن الكريم أعطى النقيب دور البناء والإيجاد الكلي للانسان عندما بعث في بني إسرائيل إثني عشر نقيباً . { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا فيهم إثني عشر نقيباً } " المائدة 12 " .
{ وبعثنا منهم إثني عشر نقيباً } "البقرة " .   .
وكان النبي "ص" قد جعل ليلة العقبة كل واحد من الجماعة الذين بايعوه بها نقيباً على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الاسلام ويعرفونهم شرائطه ، وكانوا اثني عشرة نقيباً كلهم من الانصار في العهد العباسي كان المسمى " خليفة  " يقيم على الإشراف في كل مدينة يكثر فيها عددهم "نقيباً" يمثلهم ويترأس جماعتهم وكان النقيب يختار عادة من " أجلهم بيتاً وأكثرهم فضلاً وأجزلهم رأياً بحيث تجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة . وله سلطان كبير يستمده من نقابته في عدد كبير من أصحاب النسب الشريف فهو فيهم بمنزلة الأمير في إقليمه أو رئيس العشيرة في عشيرته ".

ومن مهام هذا النقيب :
1- حفظ الأنساب وتدوين الولادات والوفيات وهو ما نستطيع أن نقارنه اليوم بالإنتسابات ولوائح الشطب .
2- تعهد الشرفاء بالنصح والموعظة محافظة على ميزتهم حفظاً لإسمهم وصوناً لكرامتهم وهو ما نستطيع أن نقرنه اليوم بكينونة المهنة وكرامتها ونموها وتنميتها . 
3- يعينهم في استيفاء حقوقهم من الآخرين وهي الدفاع عن الحقوق المكتسبة اليوم والمطالبة بالحقوق المتكونة .
4- ويعين الآخرين عليهم في استيفاء حقوقهم منهم ويُقَوِّمُ ذوي الهفوات وهي الرقابة الذاتية وحق الحصانة كما نقابات المهن كالهندسة والمحاماة والصحافة اليوم .
والى غير ذلك من المهام التي يمكن أن نجد مثيلاً لها في عصرنا الحالي يمارسها النقيب والنقابة اليوم كما كانت تمارسها النقابة في ذاك العصر كفض النزاعات وتأهيل المنتسبين والسعي للتضلع بالأحكام الشرعية والواجبات التي هي اليوم قوانين وواجبات .
    فإذا لم يك العمل النقابي تسمية ومهاماً عملاً جديداً فهل نستطيع أن نعتبره علماً جديداً ؟
بسؤال آخر هل على النقيب والنقابة أن تضطلع دائماً بالعلم الذي يمكنه ويمكنها من أداء المهام والقيام بالدور؟ وهو ما يمكن أن يوسم الشخصية النقابية اليوم بوسم جديد أكثر فاعلية لأداء المهام وأوفر حظاً للنجاح ؟ .
هناك جملة من السمات والصفات التي لا بد من توفرها وإن بنسب متفاوتة في النقابي المتصدي لهذا الدور وينبغي أن تطبع شخصيته وحضوره .بتجدد دائم مواكبةً للمتطلبات والمهام.
- مواصفات الشخصية العامة للنقابي :  
 النقابي طابعه التوازن والسماحة والدينامية والديمقراطية والحرية عملي مرن ، مبادر محاور ، إداري مخطط ، مبرمج ومتابع . وجزء من هذا له علاقة بالتدريب والتكيف والجزء الآخر يحتاج بالطبع الى " علم" متطور وتضاف الى ذلك صفات قيادية كالجرأة والإقدام والثقة بالنفس والصبر وطول الأناة .
النقابي :  إجتماعي الممارسة والتواصل مع الآخرين عنده هو الأصل أما انقطاع الصلة فهو الحالة الشاذة والشاذة جداً .
النقابي : علاقات قائمة تنفتح له المعارف لكنها لا توصد . يجمع اوراقه في العلاقات مع الآخرين جمع الراعي لرذاذ الندى أو المتحطب ليابسات الأعشاب .
النقابي ليس عقلاً نابهاً فقط وإنما هو قلب طيب ومشاعر إنسانية تدفع وترشد للأفضل 
النقابي يميل دائماً للإطلاع والميل للإطلاع عنده يعمل كقوة دافعية في النشاط المعرفي للإنسان ويعزز هذا الميل عبر النجاح بهذه المعرفة والدافعية هنا .
خارجية وداخلية : ؟ 

¨خارجية:  لها علاقة بالرغبة بالحصول على لقب أو تميز أو مكانة إجتماعية.
¨داخلية : وهي رغبة بالبحث والمعرفة والشعور بالسعادة في اكتشاف الوقائع
وإعطاء الأفكار الجديدة . فإذا لم تستقبح الأولى بالإطلاق فإن الثانية   محمودة بالمطلق .
النقابي : كمٌ من المعلومات يطاردها ويتذوق معرفتها وتنفتح أساريره لغثها وثمينها فكلاهما سلاح يأمن ويأنس بهما هجوماً ودفاعاً .
النقابي:إعلامي يثقب جدار التضليل الإعلامي حيث يكون أداةً أساسية للهيمنة الإجتماعية وهيكلة النظم العامة( التربوية والإقتصادية وغيرها ) فيفضح ما استقر في الأذهان ، وبات وكأنه مسلمات غير مطروحة للنقاش ( ابتداع المعارضة لتحريك الساحة ) .
النقابي : سعي دائم لإمتلاك صفة التمثيل النقابي عبر حضوره وذوبانه وخدماته وليس  عبر تسلطه واستقوائه بمراكز قرار .
النقابي : قانوني ومحامٍ وقاضٍ ومدعٍ عام .
النقابي ليس بيروقراطياً يحول الكائنات البشرية الى أرقام تندرج في سياق التزامه اللوائح وتنفيذه التعليمات .
هذه شخصية النقابي التي تطبعه في أدائه لدوره القيادي الإنساني المجتمعي العام وتؤهله لآداء دوره في المهام الميدانية الاختصاصية . 

- المهام الميدانية الإختصاصية للنقابي :ونختصرها بما يلي  :
1- مراقبة الساحة وقراءة ومتابعة مستجداتها وإنشاء المقترحات أو اتخاذ القرارات اللازمة.
2- الاتصال المستمر بالقاعدة وتحسس ما يعترضها من مشكلات ثم نقل أوضاعها الحقيقية الى مواقع القرار .
3- شرح وتفسير القوانين والأنظمة ذات الصلة ومنع استغباء أو استغلال القاعدة لجهلها
     بالحقوق والواجبات الوظيفية أو المهنية .
4- مراقبة أعمال وقرارات السلطة في أي من مواقعها .
5- حضور الاجتماعات واللقاءات النقابية والتحضير لها .
6- تطوير العمل النقابي من خلال التوعية والتدريب النقابي .
7- الاشتراك أو التحضير لأعمال التعبئة والتحشيد وتنظيم التحركات عندما يدعو الأمر لذلك.
8- الاستفادة الكاملة من الأفراد والمعارف في تنظيم العلاقات وجمع المعلومات وعدم
     الاستهانة بأي منها مستوىً ونوعاً .
9- تنظيم البيانات والاستمارات والإحصاءات بشكل منهجي وعلمي بعيداً عي الديماغوجية والسطحية تسمح باتخاذ التوجهات والقرارات الدقيقة والصائبة . 
     هذا بالإضافة إلى الأمور الاختصاصية والمواضيع الناشئة الأخرى .
- النقابي المفاوض :
النقابي في كل هذا أو في بعض منه يكون مفاوضاً ولا بد أن تحكم مفاوضاته قواعد حوارية . 
وعندما يكون النقابي مفاوضاً : فهو يمتلك ثقافة وتقنيات التفاوض   .
1- يركز على حل المشاكل ويتجنب التعرض للأشخاص ( سياسة : " تجنب دائماً الزاوية المادة").
2- يستمع جيداً للآخرين ولا تلزمه الافتراضات المسبقة التي نرسمها عادةً في أذهاننا عن البعض .
3- يحترم عقل الآخر ويتجنب أساليب المغالطات والدفاع عن الأوضاع الخاطئة .
4- لا يتقوقع داخل ذاته ويخاف المواجهة مع الآخرين .
5- يؤسس لتقبل تحقيق الممكن ويبعد عن السقوط في الحب النظري للكمال .
6- يتجنب التفكير الأحادي وسجن المحاور في فكرة واحدة دون إتاحة الفرصة لأفكار جديدة تسمح بظهور البدائل .
7- يحدد النقاط التي يمكن التفاوض بشأنها والتي تؤسس الأرضية المشتركة مع الآخرين بقدر الإمكان .
8- يحدد أولويات التفاوض وتصديرها في النقاش أو تهميشها أو السكوت عنها .
9-يقيّم الموقف التفاوضي دائماً للتعرف على المستجدات والتكيف معها .
10- يتجنب سوء الظن بالآخرين والوقوع في براثن التفكير التآمري والتصنيف المتعسف وتأطير الآخرين بجهالة ودون تروٍ مطلوب .
11- يعرف وظائف الأسئلة تماماً بهدف الاستفادة من دورها في عملية إنجاح العملية
      التفاوضية والأسئلة يقسمها البعض إلى مغلقة ومفتوحة وتتابعية . 

وتوجه أثناء المفاوضات لأهداف منها:
1- جذب الانتباه .
2- الحصول على معلومات .
3- إعطاء معلومات .
4- اختيار صحة المعلومات .
5- إثارة التفكير .
6- تنشيط المناقشة .
7- الوصول الى نتيجة .
8- تغير الحديث .
9- كسب الوقت .
10- إضاعة الوقت .
11- إرباك المفاوض .
12- حصار المفاوض واستفزازه .
فالأسئلة في التفاوض لا تلقى جزافا بل تستوجب تفكيراً مسبقاً ونوعاً من التحضير وهناك عدة خطوات رئيسية تأخذها مرحلة توظيف الأسئلة على أساس علمي( راجع / مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي / د.حسن محمد وجيه - ص 193 - ) .
13- مراعاة كم المعلومات التي يلقى بها على الساحة فلا نقول أكثر ما يتطلبه الحوار القائم
وتزن الأمور بالأسلوب الذي يتيح النجاح للعملية التفاوضية .
- النقابي المحاور : 
إن كل هذه التصورات التفاوضية لا بد وأن تحكمها قواعد حوارية لها علاقة بأساليب استخدام الحجج وأصول إقامتها بعيداً عن السماح للآخر بالإحساس بالهزيمة .
ولها علاقة أيضاً بوظائف "الصمت " وحركات الجسد وأعضائه في الحوار ومفاهيمها ودلالاتها في الثقافات المتعددة  .
ولها علاقة باستخدام أو عدم استخدام الأسلوب غير المباشر في الأمور التي تحتاج أو لا تحتاج الى توضيح دقيق .
- ختاماً :
الشخصية النقابية شخصية إنسانية متزنة تمتلك ساحة عملها بالإطلاع الشامل والتواصل الدائم والمتابعة المسلحة بأسس التفاوض ومبادئه ولياقة الحوار ولباقته .
أرجو أن أكون قد وفقت لخدمتكم وأن أكون قد وضعت النقطة الأولى في مسيرة العلوم التي تودون الوقوف عليها .
 المصدر:سلسلة مفهموم العمل النقابي من إعداد الحاج هاشم سلهب

هناك تعليق واحد: